ساطع نور الدين
من خارج أي منطق أو سياق، أجرت محطة «العربية» مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا يمكن تفسيرها ولا تبريرها لا في السياسة ولا في المهنة، ولا حتى في التقليد الذي اعتمده الإعلام العربي المرئي والمكتوب وفرضه على نفسه وقرر أن يجلد به جمهوره ويعذبه بين الحين والآخر.
في الماضي كانت المقابلات الصحافية العربية مع قادة العدو الإسرائيلي تجرى على أساس ان لدى المؤسسة الإعلامية، او البلد العربي الذي تنتمي إليه، أسئلة محرجة او استفسارات محددة تريد ان تطرحها على هذا المسؤول الاسرائيلي او ذاك، او ان لديها تعليمات، أميركية تحديداً، بالانفتاح على الإسرائيليين وبناء جسور الثقة مع حكومتهم بتشجيعها على المضي قدماً في مساعي التسوية. كانت تلك المقابلات بمثابة ضريبة تدفعها المحطات تخدم المجهود السياسي من اجل القضية الفلسطينية. هكذا كان يتم تبرير تلك القفزات الإعلامية التي لم يتقبلها الجمهور العربي يوماً ولم يشعر بفائدتها أبداً.
لماذا المقابلة التلفزيونية الآن مع بنيامين نتنياهو؟ يمكن لأي كان أن يرجح أنها ليست استجابة لنصيحة أميركية، لأن واشنطن غير معنية الآن بهذا النوع من التواصل والتفاعل العربي الاسرائيلي، لأسباب عديدة اهمها، انه ليس على جدول أعمالها الراهن اي مشروع لمؤتمر او حتى للقاء او منتدى للبحث في استئناف مفاوضات السلام.. كما يمكن لأي كان أن يجزم بأن الجانب الفلسطيني لم يطلب مثل هذه البادرة تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لا يعترف ضمناً بوجود قضية فلسطينية، ولا يمكن ان يغير رأيه لمجرد إهدائه فرصة الظهور على شاشة عربية.. كما لا يمكن ان يساوم على اعتراضه الشديد على توجه السلطة الفلسطينية الى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. وما قاله في المقابلة نفسها واضح جداً ويمكن اختصاره على النحو الآتي: إذا كان لدى الفلسطينيين اي مطالب فليقدموها إلينا مباشرة بدل عرضها بطرق ملتوية على المنابر الدولية. فالمسافة قصيرة جداً بين القدس ورام الله!
وعدا عن تلك الإهانة التي وجهها نتنياهو الى الفلسطينيين والعرب من خلال شاشة «العربية»، والتي تفوق الإهانة التي وجهها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قبل يومين عبر شاشة «الجزيرة» لدى إطلاله بزيه العسكري للحديث عن القرصنة على سفينة الكرامة، فإن رئيس حكومة إسرائيل وجه إساءة متعمدة ايضاً الى سوريا بنظامها وثورتها الشعبية، عندما اوحى بأن إسرائيل تستطيع التدخل في الأزمة السورية، لكنها لن تفعل!
لم يكن للمقابلة مع نتنياهو في هذا الوقت بالذات أي مبرر، لأنها لا تهدف لأي غرض سياسي، هذا اذا كان لمثل هذه المقابلات من غرض غير الترويج لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يقود عملية منهجية ثابتة لتصفية جوهر القضية الفلسطينية وتحويلها الى خلاف معيشي مع جزء من السكان الأصليين للدولة اليهودية.. وهو ما تعارضه شريحة من الإسرائيليين الذين شعروا ربما بالاستغراب او الحرج من مبادرة «العربية» الى محاورة أسوأ مسؤول إسرائيلي في أغرب توقيت.