من مقال (انهيار العمق العربي لإسرائيل) للأستاذ عبدالستار قاسم
تكوين العمق العربي لإسرائيل
تكون العمق العربي لإسرائيل لسبب وحيد وهو أن أغلب الأنظمة العربية ليست منبثقة من الشعب ولا تعبر عن إرادة الشعب، وهي ذاتها لا تملك إرادة حرة. عدد من الأنظمة العربية عبارة عن قبائل نصبها الاستعمار الغربي ومكنها في أرض العرب لتخدم مصالحه، وهي ليست أكثر من مجرد إدارة تأتمر بأوامر أهل الغرب.
عدد آخر منها لا يستطيع صرف رواتب آخر الشهر إلا بمساعدات مالية غربية، وعدد آخر لا يستطيع الاستمرار إلا بحماية أمنية وعسكرية غربية. وهنا أذكر أنظمة الإقطاعيات العربية التالية: الأردن، والسعودية، وقطر، والبحرين، والإمارات العربية، وعُمان، واليمن، والمغرب، وجمهورية القمر، والكويت، وجيبوتي، والسلطة الفلسطينية، وكانت تونس ومصر.
يبقى من هذه الإقطاعيات التالية: سوريا وهي صامدة وشبه محاصرة بسبب مواقفها، والسودان والصومال تتعرضان للتمزيق، وليبيا ويكفيها زعيمها، والعراق وموريتانيا مشغولتان بالهموم الداخلية. أما لبنان فصامدة دون أن تبرأ من الانقسامات الداخلية.
إذا كانت أغلب الأنظمة العربية تدين بوجودها واستمرارها للاستعمار الغربي، فإنها لا تستطيع إلا تنفيذ الأوامر التي يلقيها أهل الغرب، وإن كان لأحدها أن يتمرد فإنه يواجه عصا الاستبدال أو القتل.
أميركا أزاحت الحبيب بورقيبة عندما انتهى دوره، وأتت بزين العابدين، وقتلت الملك فيصل بن عبد العزيز. أما بريطانيا فأزاحت الملك طلال ملك الأردن بحجة الجنون وأتت بابنه حسين ليجلس على إقطاعية الأردن عشرات السنين.
لكن الأهم هو أن الشعوب العربية بقيت أبية رافضة التطويع والتطبيع والامتطاء، وهي ما زالت تصر على الحرية والاستقلال، والسير في درب العزة والإباء. عمل قادة وأنظمة كثر على تذليل الشعوب وإخضاعها، لكنها أبت، وأطلت برأسها العظيم في تونس لتطيح بطاغية سمسر على شعبه، وتبع شعب مصر العظيم الذي أعاد الأنفاس إلى صدور الأمة العربية. والخير قادم بإذن الله.
لا مانع لدى الاستعمار الغربي أن تتحدث هذه الأنظمة بالوطنية، وأن تخطب ضد إسرائيل، وأن تقدم معونات مالية واقتصادية للأشقاء الفلسطينيين، إنما إلى الدرجة التي لا تلحق أذى بإسرائيل، ولا تؤثر سلبا على نشاطات إسرائيل الاستخبارية والأمنية في البلدان العربية.
لا مانع من مؤتمرات قمة تدين إسرائيل ما دامت أنظمة العرب تقوم بوظيفة المدافع عن الأمن الإسرائيلي. وقد سبق للمخابرات الإسرائيلية أن مررت معلومات للأنظمة عن انقلابات عسكرية محتملة، وأنقذت أنظمة من الزوال. وسبق أيضا أن دافعت إسرائيل عسكريا عن الأردن عندما قام الجيش السوري بدخول شمال الأردن إبان حرب أيلول عام 1970.
أمن النظام أم أمن الأمة؟
بما أن أغلب أنظمة العرب موجودة بفضل الأجنبي المعادي أصلا للأمة العربية وحارس تمزقها وناهب ثرواتها، فإن هناك فصلا حادا بين أمن النظام وأمن الأمة. يكمن أمن نظام الحكم العربي في تعريض أمن الأمة للخطر، وهو يدرك أنه سيطرد إن لم يفعل ذلك.
هو محروس ليس من قبل شعبه، وإنما من قبل إسرائيل والاستعمار الغربي، وأمنه ومصالحه مرتبطة بهؤلاء الأعداء. أمنه يتعرض للخطر إن هو عادى إسرائيل فعلا، أو إن شعر بغيرة على الثروات العربية، أو إن دفع بجد نحو الوحدة العربية، أو إن خاض حربا لا تخدم مصالح إسرائيل وأميركا.
هناك تناقض بين أمن النظام وأمن الأمة لأن أمن الأمة يتطلب الاستعداد العسكري والأمني، وتوظيف الأموال لعملية البناء الاقتصادي الحقيقي والبناء العلمي، والاعتماد على الذات غذائيا وتقنيا... إلخ. كل هذه العوامل التي تعتبر من أركان أمن الأمة غير مسموح بها لا إسرائيليا ولا غربيا، وعلى الحاكم العربي أن يصر على ضعف شعبه وأمته، ويطمئن إلى أن أحذية أعدائها فوق رقابها.
ولهذا يجند الحاكم العربي أجهزة أمنه وأدوات قمعه ضد شعبه وليس ضد أعداء شعبه. العربي لا يستطيع النوم ذعرا من أجهزة الشرطة الفاسدة والمخابرات التي من المفروض أن توفر له الأمن والحماية.
عمق عربي يتهاوى
استطاعت جهات عربية أن تقف صلبة عبر السنين في وجه السياسة الغربية في المنطقة، ورفضت أن تكون أداة بيد إسرائيل. سوريا تقف على رأس القائمة، وكذلك بعض فصائل المقاومة مثل حزب الله اللبناني وحماس والجهاد الإسلامي، وبعض عناصر حركة فتح والقيادة العامة.
لكن الأهم هو أن الشعوب العربية بقيت أبية رافضة التطويع والتطبيع والامتطاء، وهي ما زالت تصر على الحرية والاستقلال، والسير في درب العزة والإباء. عمل قادة وأنظمة كثر على تذليل الشعوب وإخضاعها، لكنها أبت، وأطلت برأسها العظيم في تونس لتطيح بطاغية سمسر على شعبه، وتبع شعب مصر العظيم الذي أعاد الأنفاس إلى صدور الأمة العربية. والخير قادم بإذن الله.
ورطة إسرائيل
ستستمر إسرائيل بمراكمة القوة، لكن ذلك الضعف العربي الذي حماها وراهنت عليه قد أفل، أو أن طريق أفوله ليس طويلا. لقد واجهت إسرائيل مقاومة عربية شديدة في لبنان وفلسطين غزة، وبدت عليها الحيرة والتخبط، فماذا هي فاعلة إذا كانت الخيانة العربية في طريقها إلى التقلص والزوال؟ عهد الضعف العربي قد ولى، ومعه انهار العمق العربي الإستراتيجي لإسرائيل.
No comments:
Post a Comment